قراءات تحت  الشمس

لهذه الأسباب العولمة تعني الأمركة

د. عابدين الشريف

إن العولمة اضحت تعني اليوم (الامركة) والامركة تعني السيطرة والهيمنة والتحكم والتلاعب بالسياسة والاقتصاد في آن واحد معاً في مختلف الدول ، بل قد اخذت تمتد وتمتد لتطول ثقافات الشعوب والمجتمعات وتنال من الهويات الوطنية والقومية واصبحت  تسعى جادة لتعميم انماط معينة من السلوك والاخلاق والآداب واساليب العيش والتدبير والامر كله في حقيقته لايعدو الا ان يكون احتلالاً للعقل  وللتفكير وتسييرهما بعد  الاحتلال وفق اهداف المحتل ومصالحه الشخصية

عموماً اثار العديد من الكتّاب والمفكرين المصطلح الاخر للعولمة  وهو (الامركة) وذلك استناداً الى تصريحات وسياسات وخطط امريكية في العالم.

ففي كثير من الدول يتوافق مصطلح العولمة مع الامركة بحيث اضحى يتم النظر إليها على انها قادمة من امريكا فالعولمة اذن بصدد جعل بقية دول وشعوب العالم شبيهة بعض الشئ بأمريكا خيراً او شراً تأكيداً بأن مفهوم العولمة تطبيقاً على ارض الواقع يعني الامركة نذكر التصريحات  السياسية لبعض القادة والساسة الامريكان وغيرهم نذكر منها الاتي:

- اشار الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش (الأب) في 24-1-1990 الى ذلك واكد عليه حين قال في اجواء الاحتفال بالنصر في حرب  الخليج  الثانية  :( ان القرن القادم سيشهد انتصار القيم الامريكية  وانماط العيش والسلوك الامريكي).

وفي هذا نزوع لغزو الآخرين ثقافياً ولمهاجمة الهويات الثقافية والقومية وفرض التبعية عليها او اذابتها.

- حديث (زبيغنيو بريجينسكي) مستشار الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر(1977-1980م) في 10-8-1990حيث قال: ليست هناك سوى قوة عظمى واحدة في العالم ، هي الولايات المتحدة الامريكية وهذه القوة العظمى يجب ان تكون مطلقة وشاملة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً فنحن القوة الوحيدة على جميع الصعد .

كما اكد على ضرورة ان تقدم امريكا التي تمتلك 65٪ من المادة  الاعلامية على مستوى العالم نموذجاً كونياً للحداثة والتقدم  والتطور ، يحمل في مضمونه القيم والمبادئ الامريكية التي يذيعونها دوما في  الحرية وحقوق الانسان ، وزبيغنيو بريجينسكي هو اول من تبنى فكرة مفهوم او مبدأ العولمة بعد عالم السسيولوجيا الكندي (  مارشال ماكلوهان) من جامعة تورنتو.

- في كتابه (توازن الغد) يرى روبرت شتراوس ان المهمة الاساسية لامريكا تتمثل في توحيد الكرة الارضية  تحت قيادتها، واستمرار هيمنة الثقافة  الغربية وهذه المهمة لابد من انجازها بسرعة في مواجهة  آسيا  واي قوى اخرى لاتنتمي للحضارة الغربية.

- قال فرانسوا بايرواوزير التربية والتعليم العالي الفرنسي ان هدف العولمة هو تدمير الهويات القومية والثقافة القومية للشعوب.

اذاً هدف العولمة هو إلغاء النسيج الحضاري والاجتماعي للشعوب ومن هنا يعني  القضاء على الهوية الثقافية والقومية وعلى تراث الامم والشعوب الفكرية والحضارية.

وفي هذا الصدد يركز الخطاب الامريكي على القول :( بأن العولة ليست مجرد  خيار قابل للتبني والرفض، بل هي حتمية لا فكاك ولا مناص منها ابداً في توجيه النظام العالمي الجديد ، ولاخيار لدول وحكومات  وشعوب العالم النامي غيرها الا خيار بقائها محبوسة في تخلفها.

ويضيف هذا الخطاب ان العولمة هي اقرب الطرق والسبل واجداها لتحقيق  الحداثة السياسية والاجتماعية والفكرية للعالم المتخلف الذى يرزح تحت نير الفقر والمرض والتخلف وهي انجع الوسائل لطيها بسرعة مذهلة مراحل التنمية الشاملة لانها (العولمة) وحدها الكفيلة بتأهيله اقتصادياً، وبالتالي فكرياً واجتماعياً بل  يذهب  الخطاب الى القول ان تغيير العالم الى الافضل مرهون بتطبيقها مع الاخذ في الاعتبار بأنه لايمكن وباي حال من الاحوال الاحتماء  اليوم  بحدود الدولة الوطنية التقليدية حيث لم يعد بوسع اكثر  دول العالم تقدماً والتي يفترض انها مكتفية ذاتياً  الادعاء  بأنها دول ذات سيادة  تامة وهذا هو معنى مصطلح ايكولوجي الذى يشير الى السقوط التام لكل الحدود التي اقامها الانسان.